wahbi Admin
عدد المساهمات : 144 نقاط : 436 السٌّمعَة : 0 تاريخ الميلاد : 07/01/1990 تاريخ التسجيل : 23/12/2010
| موضوع: الفرار إلى الله الإثنين ديسمبر 27, 2010 12:01 am | |
| الكتاب: الفرار إلى الله
( والسّماء بنيناها بأيدٍ وإنّا لموسعون ـ ـوالأرض فرشناها فنعم الماهدون ـ ـ ومن كلّ شيء خلقنا زوجين لعلّكم تذكرون ـ ـ ففرّوا إلى الله إنّي لكم منه نذير مبين ـ ـولا تجعلوا مع الله إلها آخر إنّي لكم منه نذير مبين ) تمهيد :المقصود الأساسي من الآيات هو تحذير الخلق من الهلاك وترغيبهم في النّجاة , ولا سبيل إلى ذلك إلاّ بالفرار إلى الله , فمهّد لذلك بالآيات الثلاث الأوَل للتّرغيب فيه , وختم بالخامسة لبيان الفرار الصّحيح المُنجي عند الله . الآية الأولى : الألفاظ والتّراكيب :السّماء هي الجرم الأعظم الذي أحاط بالأجرام السابحة في الفضاء كلّها وعلا عليها , بنيناها : ضممنا أجزاءها بعضها إلى بعض بغاية الدّقة والإحكام فكانت كالقبّة فوق الجميع , بأيد : بقوّة , لموسعون : لمُقتدرون ومُطيقون , على احتمال أن يكون من الوسع بمعنى القدرة والطّاقة , أو لموسعون ومُبعدون بين أرجائها على احتمال أن يكون من السّعة , وقدّمت السّماء لأنّها المُشاهد المحسوس الذي تقوم به الحجّة , وليَقع البناء عليها مرّتين على لفظها وعلى ضميرها لأنّ الأصل : وبنينا السّماء بنيناها , لتحقيق أنّها مبنيّة وأنّ بناءها لم يكن إلاّ من الله القادر الحكيم , ولذلك علّق بالفعل على قوله بأيدٍ , والجملة الحاليّة تدلّ على أنّ الإيساع ثابت له عند البناء فذلك البناء العظيم لم يُنقص من قدرته أو لم يمنع من توسيعه . المعنى :أنّ هذه القبّة التي أحاطت بكم من جميع الأرجاء نحن بنيناها بقُدرتنا ذلك البناء المُحكم المُتقن بنيناها ونحن على قوّتنا وقدرتنا نقدر على بناء أعظم منها لو شئنا , أو نحن على قدرتنا وطاقتنا في إفاضة الخيرات والبركات منها عليكم , ــ هذا على أنّه من الوسع ــ أو بنيناها وقد وسّعنا أديمها حتّى أحاطت بهذه الأجرام السّابحة التي منها ما لا يكون معه جرم الكرة الأرضيّة إلاّ كحمصة فوق مائدة كبيرة , ــ هذا على أنّه من السّعة ــ . تحقيق آية كونيّة من الآيات القرآنيّة :السّماء في اللّغة هي كلّ ما علاك , فكلّ ما علا الأرض من سُحب وطبقات هواء وكواكب تسبح في الفضاء وما وراء ذلك من القبّة المُحيطة الكبرى هو للأرض سماء وكلّ هذه مُتقنة الصّنع مُحكمة الوضع مُتلاحمة الأجزاء مُرتبط بعضها ببعض ارتباطا مُقدّرا بالمسافات المُدققة التي لا يكون معها تصادم ولا ارتخاء ووضعها على هذه الصّورة المُنظّمة المُحكمة هو البناء وعليها كلّها ينبغي أن يُحمل لفظ السّماء في الآية المُتقدّمة وقد جاء لفظ السّماء في القرآن مُرادا به القبّة المُحيطة في مثل (<< ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح >>) (<< إنّا زيّنا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب >>) وجاء مُرادا به السّحاب في مثل (<< والذي نزّل من السّماء ماء بقدر >>) فإنّ المطر ينزل من السّحاب لقوله تعالى : (<< ألم تر أنّ الله يُزجي سحابا ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله رُكاما فترى الودق يخرج من خلاله >>) وجاء مُرادا به طبقات الجوّ في مثل (<< ويُنزّل من السّماء من جبال فيها من برد >>) والبرد يتكوّر في طبقات الجوّ , والمُتتبّع لمواقع لفظة السّماء من الكتاب العزيز يتحقق هذا. الآية الثانيّة : الألفاظ والتّراكيب :الأرض هي هذه الكرة التي نعيش عليها , فرشناها : بسطناها بزينتها ومنافعها , الماهدون : من مهّد الشّيء وضعه وسوّاه وهيّأة للنّوم والجلوس والرّاحة , ويجري في تقديم الأرض ما تقدّم في تقديم السّماء , ومن يسير على هذا البساط المفروش ويطّلع على ما هُيّئ فيه من أسباب الحياة لكلّ ما فيه من حيوان لا يتمالك أن ينطق بالمدح والثناء على من هيّأ هذه التّهيئة ومهّد هذا التّمهيد ولذا قرنت الجّملة الأخيرة بالفاء فقيل فنعم الماهدون , ولا يُغني فرش الأرض عن مهدها لأنّ المهد يتضمّن ما حصل فيها من مرافق ومواد وأسباب للعيش على أديمها والتّنعم بخيراتها . المعنى :إنّ الأرض التي أنتم مُتمكّنون من الوجود على ظهرها والسّير في مناكبها والانتفاع بخيراتها نحن فرشناها لكم وهيّأنا لكم أسباب الحياة والسّعادة فيها على أكمل وجه وأنفعه وأبدعه , ممّا نستحقّ به منكم الحمد والثّناء . دقيقة كونيّة في الآية القرآنيّة :شأن الفراش أن يكون ما تحته لا يصلح للجلوس والنّوم عليه , وما تحت وجه الأرض هو كذلك لا يصلح للحياة فيه فإنّ تحت القشرة العليا من الأرض المواد المصهورة والمياه المعدنيّة والأبخرة الحارّة ممّا تنطق به البراكين المُنتشرة على وجه الأرض في أماكن عديدة فكانت القشرة العليا من الأرض مثل الفراش تماما . الآية الثالثة : الألفاظ والتّراكيب :من كلّ شيء : من كلّ جنس من الأجناس , خلقنا : كوّنا , زوجين : فردان مُتباينان يكمّلّ أحدهما الآخر في عالم الحيوان وعالم النّبات وعالم الجماد , تذكرون : تذكرون ما أودع في فطرتكم من المعرفة لما تنظرون بعقولكم في عجائب الخلق فتُدركون ما له جلّ جلاله من الألوهيّة والرّبوبيّة والوحدانيّة , وقدّم ـ من كلّ شيء ـ لأنّ الأشياء هي المُستدلّ بها ولِبعث الهمم على النّظر فيها . المعنى :إنّا خلقنا الأشياء التّي تُشاهدونها على الزّوجيّة والتّركيب من شيئين مُتضادّين لتكونوا , بحيث يُرجى منكم أن تعلموا أنّ النّقص والعجز عمّ المخلوقات كلّها لحاجة كلّ شيء منها إلى ضدّه , وقصوره بنفسه , فالقدرة والكمال للخالق وحده فلا يستحق العبادة سواه فاعبدوه ووحّدوه . توسّع في التّذكر:النّظر في الأزواج مُفض للعلم بما ذكرنا وللعلم بأنّ الخلق غير صادر عن طبيعة الأشياء فإنّ النّار ــ مثلا ــ لا يصدر عنها التّبريد والتّسخين لأنّ السّبب لا يُنتج الضّدّين فالمخلوقات كلّها صادرة بطريق الخلق عن فاعل مُختار وللعلم بوجوه كثيرة من إحاطة علمه وشمول حكمته وعموم نعمته . حقيقة نفسيّة في نُكتة بلاغيّة :إذا نظر العقل في هذه الأزواج وفكّر انكشفت له وُجوه سرّ دلائل الرّبوبيّة والألوهيّة والتّوحيد وإذا حصل الانكشاف الأوّل تبعته انكشافات , فإذا حصل منه التّذكر أفضى به إلى تلك الوجوه الكثيرة ولهذا نزل الفعل منزلة اللاّزم الذي لا يُراد منه إلاّ حصول الحدث . آية كونيّة في الآية القرآنيّة :من الأزواج ما هو ظاهر مُشاهد معلوم من قديم مثل السّماء والأرض , واللّيل والنّهار والحرّ والبرد والذكر والأنثى في الحيوان وبعض النّبات , ومنها ما كشفه العلم بما مهّد الله له من أسباب كالجُزء الموجب والجُزء السّالب في القوّة الكهربائيّة وفي الذرة التي هي أصل التّكوين فلا فرديّة إلاّ لخالق هذه الأزواج كلّها الذي أنبأنا بها قبل أن تصل إلى تمام معرفتها العقول فكان من مُعجزات القرآن العلميّة التي يُفسّرها الزّمان بتقدّم الإنسان في العلم والعُمران . بلاغة التّنويع والتّنزيل :لمّا كانت السّماء مُتلاحمة الأجزاء في العلاء ثابتة على حالة مُستمرّة في هذه الدّنيا على البقاء ناسبها لفظ البناء , ولمّا كانت مظهر العظمة والجلال ناسبها لفظ القوّة , ولمّا كانت الأرض يطرأعليها التّبديل والتّغيير بما يُنقص البحر من أطرافها وبما قد يتحوّل من سهولها وجبالها وبما يتعاقب عليها من حرث وغراسة وخصب وجدب ناسبها لفظ الفراش الذي يُبسط ويُطوى ويُبدّل ويُغيّر ولمّا كانت أسباب الانتفاع بها المُيسّرة ضرورية للحياة عليها وكلّها مُهيّأة وكثير منها مُشاهد وغيره مُعدّ يُتوصّل إليه بالبحث والاستنباط ــ ناسب ذكر التّمهيد , ولمّا كانت الأزواج مُكوّنا بعضها من بعض ناسبها لفظ الخلق ولمّا كان النّظر في الزّوجين هو نظر في أساس التّكوين لتلك المذكورات السّابقة وهو مُحصّل للعلم الذي يحصل من النّظر فيها قرن بلفظ التّذكر . الآية الرّابعة : الألفاظ والتّراكيب :الفاء للتّرتيب لأنّ ما قبلها على ما فيه من عظمة وكمال وجمال فهي مخلوقة موسومة بسمة العجز والنّقصان فلا يصلح شيء منها للتّعويل عليه فلم يبق إلاّ الخالق القادر ذو الجلال والإكرام فهو الذي يُفرّ إليه دون جميع المخلوقات , فِرّوا : اهربوا , النّذير : المُعلم بما فيه هلاك لتُجتنب الأسباب المٌُؤدّية إليه , المُبين : الذي يُوضّح ما أنذِر منه والأسباب المُؤدّية إليه والوسائل المُنجية منه , مع إقامة الحجّة على صدقه ونُصحه , وقدّم لكم ليُفيد اهتمامه بهم وذلك ليجلبهم إليه فيستمعوا لنُصحه وبُعده منه ليُبيّن مصدر رسالته وذلك ليُبيّن لهم أنّه مأمور فلا يستكبروا عن قبول دعوته , وأكّد الجُملة لأنّهم في مقام التّردّد أو الإنكار . المعنى :هذه المخلوقات كلّها عاجزة في نفسها مُفتقرة ــ ابتداء ودواما ــ إلى خالقها فاهربوا من شرّها إلى خالقها فهو الذي يُنجيكم ويهديكم إلى خيرها ولا تغترّوا بشيء منها فإنّها لا تملك حفظا لنفسها فكيف تملكه لغيرها , إنّني أحذركم الهلاك إذا اغتررتم بها وقطَعَتكم عن خالقها ولم تهربوا إلى الله منها وقد أبَنتُ لكم مصدر الهلاك وطريق النّجاة . نُكتة التّنويع :جاءت الثلاث الآيات الأوَل كما يكون قولها من الله , وجاءت هذه الآية كما يكون قولها من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تنويعا للخطاب وتفنّنا , فإنّه لمّا كان ما في هذه الآية هو المقصود حوّل أسلوب الكلام من الإخبار إلى الأمر تجديدا لنشاط السّامع وبعثا لاهتمام المُخاطبين وحثا لهم وتوكيدا عليهم , وفيه تنبيه على أنّ ما يقوله النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مثل ما يقوله الله في وُجوب الإيمان والامتثال . بيان وتوحيد :هذا العالم بسمائه وأرضه وأزواجه هو فتنة للإنسان بما فيه من لذائذ ومن جمال وما فيه من قوّة وما فيه من سُلطان , وقد ركّبت في الإنسان شهواته وأهواؤه وسُلّط عليه الشّيطان يُغويه ويُزيّن له , فكلّ هذا العالم إذا ذهب فيه الإنسان مع أهوائه وشهواته تحت إغواء الشّيطان وتزيينه فإنّه ينحطّ إلى أسفل سافلين ويصير عبدا لأهوائه وشهواته وشيطانه ولكلّ ما فتنه من العالم وذهب بلُبّه , وقد ينتهي به ذلك إلى عبادته من دون خالقه , فالعالم بهذا الاعتبار شرّ وبلاء وهلاك يجب الفرار والهروب منه ولا يكون هذا الفرار منه إلاّ إلى خالقه بالإيمان به , والتّصديق لرُسله , والدّخول تحت شرعه فبذلك يعرف الإنسان كيف يجعل حدّا لأهوائه وشهواته وكيف يضبطها بنطاق الشّرع وزمامه , وكيف يدفع عنه كيد شيطانه وكيف يتناول سماء العالم وأرضه وأزواجه بيد الشّرع فيعرف ما فيها من نعمة وحكمة فيستغلّها بهداية الشّرع مُفرّقا علميا وعمليّا ــ بين منافعها ومضارّها , فيعظم بها انتفاعه ويزداد فيها اطّلاعه واكتشافه , فتتضاعف عليه منها الخيرات والبركات ويزداد علمه وعرفانه , ويقوى يقينه وإيمانه ويعظم لله برّه وشكرانه , فيكون له ذلك العالَم جنّة الدّنيا وقنطرة لجنّة الأخرى , ويفوز من الدّارين بالمُبتغى , كلّ هذا بفراره من المخلوقات إلى خالقها فسَلم من شرّها وفاز بخيرها فمن هرب من المخلوقات إلى خالقها نجا ومن فرّ من الخالق إلى شيء من مخلوقاته كان من الهالكين . إرشاد وتعميم :كلّ ما يُصيب الإنسان من محن الدّنيا ومصائبها وأمراضها وخُصوماتها ومن جميع بلائها لا يُنجيه من شيء منه إلاّ فراره إلى الله , ففي العدالة الشّرعيّة ما يقطع كلّ نزاع , وفي المواعظ الدّنيّة ما يُهوّن كلّ مُصاب , وفي الهداية القرآنيّة والسّيرة النّبويّة ما يُنير كلّ سبيل من سُبل النّجاة والسّعادة في الحياة , يعرف ذلك الفقهاء القرآنيون السّنّيّون , واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . تنبيه على وهم :ليس الفرار من الأمراض بمُعالجتها ومن المصائب بمُقاومتها فرارا من الله لأنّ الأمراض هو قدّرها والأدوية هو وضعها ودعا إلى استعمالها والتعالج بها وكذلك المصائب وما شرع من أسباب مُقاومتها فكلّها منه بقدَره والإنسان مأمور منه بأن يُعالج ويُقاوم فما فرّ من قدَره إلاّ إلى قدَره ولهذا لمّا قال أبو عُبيدة لعُمر رضي الله عنهما في قصّة الوباء : أفرارا من قدر الله يا عُمر ؟ قال عُمر : نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله >> وفي الحقيقة كان الفرار من شرّ في مخلوقٍ إلى الله يرجو منه الخير في غيره . تحذير من جهالة :ليس المقصود بالفرار من الدّنيا ترك السّعي والعمل وتعاطي الأسباب المشروعة لتحصيل القوت ورغد العيش وتوسيع العمران وتشييد المدينة بل المقصود الفرار من شُرورها وفتنتها , وتناول ذلك كلّه على الوجه المشروع هو من الفرار إليه والدّخول تحت شرعه كما قدّمناه وقد ضلّ قوم فزعموا ذلك طاعة وعبادة فعطّلوا الأسباب وخالفوا الشّريعة وحادوا عمّا ثبت من السّنّة وفيهم سُئل إمام الحديث والسّنّة أحمد بن حنبل رحمه الله , سُئل عن القائل أجلس لا أعمل شيئا حتّى يأتيني رزقي , فقال : << هذا رجل جهِل العلم , أما سمع قول النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( إنّ الله جعل رزقي تحت رُمحي , وقوله : تغدو خماصا وتروح بطانا , وكان الصّحابة يتّجرون في البرّ والبحر ويعملون في نخيلهم وبهم القدوة >> . تطبيق :إذا رأينا طائفتين من المؤمنين تنازعتا فأمّا إحداهما فالتجأت إلى السّلطان تستغيثه وتستعين به وتحطب في حبله , فأغاثها وانتقم لها وأمدّها وقرّبها وأدناها , وأمّا الأخرى فلم تستغث إلاّ بالله ولم تستنصر إلاّ به ولم تعتمد إلاّ عليه ولم تعمل إلاّ فيما يُرضيه من نشر هداية الإسلام وما فيها من خير عام لجميع الأنام وتحمّلت في سبيل ذلك كلّ ما تسبّبت لها فيه الطّائفة الأخرى ومن تولّته وهربت إليه , ــ إذا رأينا هاتين الطّائفتين عرفنا منهما ــ يقينا ــ الفارّة من الله والفارّة إليه فكُنّا ــ إن كنّا مُؤمنين ــ مع من فرّ إلى الله . الآية الخامسة : الألفاظ والتّراكيب :ولا تجعلوا : ولا تضعوا من عند أنفسكم ما لا وُجود له , إلها : معبودا تخضعون له وترجون منه التّصرّف في الكون ليجلب لكم النّفع ويدفع عنكم الضّرّ , وتقدّمت ألفاظ آخر الآية . المعنى :ولا تجعلوا في فراركم إلى الله شيئا معه من مخلوقات تعتمدون عليه وتلتجئون إليه فتكونوا قد أشركتم به سواه فإنّي أحذركم ما في ذلكم من هلاككم بالشّرك الذي لا يقبل الله معه من عمل وإنّني قد أبنت لكم لزوم توحيده في الفرار إليه كما بيّنت لكم لزوم ذلك الفرار . نُكتة التّكرير :أعاد إنّي لكم منه نذير مُبين مع الآية الخامسة ليُبيّن لهم أنّ عبادة الله مع الإشراك به كتعطيل عبادته , فهلاك المُشرك كهلاك الجاحد , والنّجاة أن تعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئا لا في رُبوبيّته ولا في ألوهيّته . تنبيه وتحذير :جاء في الحديث فيما رواه أصحاب السّنن أنّ الدّعاء هو العبادة فمن دعا غير الله فقد عبده ومن دعا مخلوقا مع الخالق فقد أشرك فإذا دعوت فادع ربّك ولا تدع معه أحدا , وكيف تدعو من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا , وإذا توسّلت فتوسّل بأعمالك بإيمانك وتوحيدك وباتّباعك لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ومحبّتك فيه واعتقادك ما له عند الله من عظيم المنزلة وسُموّ المقام عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام . بيان نبويّ قولي :قال عليه الصّلاة والسّلام فيما يُقال عند النّوم : ( لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك ) والملجأ هو المهرب الذي يُهرب إليه , والمنجى هو مكان النّجاة فبيّن لنا أنّه لا يكون الهرب إلاّ إلى الله , ولا تكون النّجاة إلاّ بالهرب إليه فمن هرب لغيره كان من الهالكين , كما بيّن أنّ كلّ ما يجري في هذا العالم فهو بخلقه بقدره فلا مهرب ولا نجاة ممّا خلق وقدّر إلاّ إليه . بيان نبويّ عمليّ :روى أحمد وابن جرير عن حذيفة ابن اليمان أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إذا حَزَبَهُ أمر صلّى , وفزع للصّلاة يعني إذا نزل به مهمّ أو أصابه غمّ فزع للصّلاة , فبيّن لنا بالفعل أنّ الفرار إلى الله بالتّلبّس بطاعته وصدق التّوجّه إليه , والدّعاء والتّضرّع والخشوع له , والاستسلام لدينه وشرعه والإخلاص في عبادته والاعتماد عليه , وذلك كلّه موجود على أكمله في الصّلاة التي هي عمود الدّين ومظهر كماله . جعلنا الله من الفارّين إليه والمقبولين لديه , آمين . http://www.nouralhuda.com/%D9%83%D8%...%8A%D9%86.html
| |
|